اِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اِخْوَةٌ فَاَصْلِحُوا بَيْنَ اَخَوَيْكُمْ.

Foundation Islamic Union

مؤسسة الاتحاد الإسلامي

وقف الاتحاد الإسلامي العالم

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمٖيعاً وَلَا تَفَرَّقُواࣕ

الاتحاد الإسلامي استراتيجية

في عالم اليوم، وفي الوقت الذي تنشأ فيه مواثيق عسكرية قسرية واتحادات اقتصادية وسياسية بين المجتمعات والدول وأحياناً القارات حول محاور الخرافة والمصالح الدنيوية، فإن المسلمين هم أكثر الناس امتلاكاً للأسباب والدلائل والفرص لإقامة الوحدة فيما بينهم من كل النواحي. ففي الوقت الذي تقوم فيه القوى الاستكبارية بتكوين اتحادات للحفاظ على هيمنتها واستغلالها على الأمم الأخرى، فأي شيء طبيعي أكثر من أن يتحد المسلمون فيما بينهم من أجل نعيم الدنيا والآخرة وسعادة البشرية جمعاء؟

لا يمكن أن يكون الفكر التوحيدي وعبادة الله الواحد والإيمان بأن المشيئة الإلهية تشمل كل شيء في عالم الوجود وتحيط به، ومع ذلك يكونون في الواقع العملي بمعزل عن مصير الناس الذين خلقهم الله ومصير غيرهم من الناس ولا يهتمون به. فلا يمكن أن تكون موحِّداً وتكون في جيش أصحاب التفرقة، ولا يمكن أن تكون موحِّداً وتكون في جيش أصحاب التفرقة، بل لا يمكن أن تكون موحِّداً في الوقت نفسه.

فوحدة المسلمين المنتمين إلى مختلف مذاهب الإسلام وعدم الوقوع في الفرقة والاختلاف الذي قد يؤدي إلى العداوة أمرٌ قد أكد عليه شيوخ الإسلام قولاً وعملاً مراراً وتكراراً، وخاصة في آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله (ص).

وفي عصرنا الحاضر يصرّ المفكرون الإسلاميون والعلماء الرواد على ضرورة "الوحدة الإسلامية" ويعملون في هذا الاتجاه، وفي المقابل فإن بعض أصحاب العقول الضيقة والأوساط الضيقة يتصورون ويكرسون مصطلح "الوحدة" على أنه توحيد العقائد المختلفة، واجتماع الناس حول عقيدة جديدة بالتخلي عن عقائدهم الخاصة، وبعبارة أخرى: تأسيس اللاطائفية أو فهم جديد للإسلام فوق المذاهب، أو الانضمام إلى مذهب جديد، ولكن هذا الفهم ليس مخالفاً لمنطق الإسلام فحسب، بل هو غير ممكن أيضاً.

ومن الخطأ حصر مفهوم "الوحدة الإسلامية" الذي له معانٍ عميقة في كل من المجال السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي والسياسي، فالقضاء على العقائد والأفهام المختلفة في مجال علم الكلام والمذاهب الفقهية، وإلغاء الاختلافات أو إنشاء مذهب جديد على محور الوحدة خطأ وضرره أكثر من نفعه. فالوحدة الإسلامية التي تعنيها الدعوة والرسالة في القضاء على الخلافات والعداوات الناشئة عن الجهل والجاهلية، والعمل معاً، والتضامن ضد أعداء الإسلام والإنسانية، لا تعني أن يترك الناس مذاهبهم أو ينضموا إلى مذهب آخر. إن الهدف الحقيقي هو أن يكون المسلمون مهما كان مذهبهم وفهمهم في طليعة المسلمين في أي مذهب كانوا، وأن تكون لهم معتقدات وقيم مشتركة كالتوحيد والنبوة والقرآن والمعاد والإيمان باليوم الآخر والتوجه إلى قبلة واحدة وعبادات واحدة، وأن يقيموا المودة والأخوة والتضامن فيما بينهم ويتسامح بعضهم مع بعض في مسائل الخلاف.

أما بحث المسائل الخلافية وحسمها، وهي أكثر ارتباطاً بالتفاصيل، فينبغي أن تترك للعلماء والباحثين المتخصصين. ومن أجل الوحدة لا يمكن أن يُطلب من أحد أن لا يبحث في مجالات الفقه وعلم الكلام، ولا يمكن أن يقال لأحد أن يقال له: إنه محكوم عليه بالتمسك بمذهب أسلافه. وبعبارة أخرى: إن البحوث العلمية والآراء والميول وحتى مسألة تبليغ الرأي الخاص لا تتنافى مع الوحدة، وإنما الذي يتنافى مع الوحدة هو تحويل الاختلاف في الرأي إلى عداوة، وتسمية المعتقدات والسلوكيات التي لا تتفق مع رأيه الخاص كفراً وشركاً وبدعة والتهجم عليها. وهذا لا يمكن أن يسمى إلا تعصبًا وتعصبًا أعمى وجهلًا لا نشرًا للإسلام.

من الواضح والمؤكد أن الوحدة الإسلامية أمر إلهي. إن ضرورة الوحدة بين المسلمين وأهميتها مؤكدة في أحاديث رسول الله (ص) وفي كلمات عظماء المسلمين الآخرين، بالإضافة إلى الآيات التي تأمر المؤمنين والمسلمين بتجنب التفرقة والعداوة وأنهم إخوة وأخوات، وأن يكونوا رحماء بعضهم ببعض، وأن يكونوا عوناً لبعضهم بعضاً ومتضامنين فيما بينهم.

إن إقامة الوحدة الإسلامية والمحافظة عليها ليست مجرد حركة سياسية لتوطيد قوة المسلمين وسلطانهم. بل هي واجبة على المسلمين للحفاظ على الوحدة وتجنب الفرقة. وينبع هذا الفهم من الإيمان بوحدة خالق الكون.

فالإسلام يريد من المسلمين أن يكونوا إخوة وأن يتصرفوا بطريقة أخوية. فهو لا يقول إن أهل السنة أو الشيعة أو المنتمين إلى مذهب آخر هم إخوة في إطارهم الضيق. فالإسلام يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...﴾. أي أن كل من آمن بالقرآن الكريم ودين الإسلام وقبلة واحدة هي الكعبة، فهو مؤمن والمؤمنون إخوة.

وبالإضافة إلى الأوامر والتوصيات النقيّة، يمكن استنتاج ضرورة الوحدة بالعقل والمنطق. فالمسلمون بوحدتهم وتضامنهم فيما بينهم يستطيعون تحسين حياتهم الاجتماعية، ويوظفون طاقاتهم في تنمية المجتمع وتقدمه بدلاً من التعامل فيما بينهم، ويكونون مستعدين ومتضامنين ضد الهجمات المغرضة والعدائية من الخارج.

ونحن كمسلمين لا خيار لنا كمسلمين إلا أن نكون متحدين ومتضامنين بما يتماشى مع الأهداف القرآنية مثل إنهاء الهيمنة السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية للاستكبار الغربي على البلدان الإسلامية المستمرة منذ عدة قرون، وتعريف الشعوب الإسلامية والمظلومين والبشرية جمعاء بقيم الإسلام السامية، وإعادة تأسيس الحضارة الإسلامية، وجعل القيم الإلهية مهيمنة على الأرض، وضمان السلام والطمأنينة في المجتمعات.

فالوحدة بالنسبة للآخرين تكتيكية ومؤقتة، أما بالنسبة للمسلمين فالوحدة دائمة واستراتيجية. فالمسلمون لا ينظرون إلى الوحدة على أنها وحدة مؤقتة وتضامن لمواجهة أخطار وتهديدات القوى المهيمنة والدفاع عن أنفسهم. فالوحدة هي إحدى وصايا الإسلام الأساسية والدائمة. وقد برزت الدعوة إلى "الوحدة" التي نادى بها علماء الإسلام ومفكروه منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، باعتبارها استراتيجية إسلامية أساسية.