إن الاتحاد الإسلامي حاجة ملحة للعالم الإسلامي أولاً، ثم للإنسانية جمعاء. وهذه الحاجة ملحة لدرجة أن كل يوم يمر دون تأسيس الاتحاد الإسلامي يعني سفك المزيد من دماء المسلمين في العالم، وبقاء المزيد من المسلمين تحت وطأة ظلم الظالمين، واستهلاك وتدمير المزيد من موارد الأراضي الإسلامية الجوفية والسطحية من قبل المستعمرين. ولهذا السبب، يجب على كل مسلم، وخاصة أولئك الذين يشغلون مناصب الحكم وصناعة القرار في الدول الإسلامية، أن يبقوا قضية الاتحاد الإسلامي على جدول أعمالهم في كل لحظة وأن يعملوا عليها.
هناك روابط مختلفة تربط بين الناس في الحياة الدنيا؛ منها الدين، والعرق، والقرابة، والمواطنة، والمنطقة، والمدينة، ومكان الإقامة، والعشيرة. ولا شك أن أقوى هذه الروابط هي "الرابطة الدينية".
في القرآن الكريم، يخبرنا الله تعالى أن الكفار هم أيضًا أولياء بعضهم البعض، حيث يقول:
"وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ".
إن كلمة "أولياء" الواردة في الآية الكريمة تعبر عن ضرورة التعاون والتضامن بين أبناء الدين الواحد. وكلمة "أولياء" لها معنى تقني يتجاوز مجرد التعاون الطوعي. فعند الحاجة، يمكن أن يشمل هذا التعاون نصيبًا من الميراث. وفي هذا الإطار، تلفت الآية الكريمة الانتباه إلى حقيقة أن الكفار هم أيضًا "أولياء/أنصار" بعضهم البعض. إن هذه الآية الكريمة، فيما يتعلق بتأسيس الاتحاد الإسلامي وتطويره، تعكس تطبيقًا عمليًا في مرحلة حرجة. فعندما واجه النبي (صلى الله عليه وسلم) ومسلمو مكة خطرًا يهدد قدرتهم على ممارسة دينهم، هاجروا إلى المدينة. فقام مسلمو المدينة (يثرب) بإيواء المهاجرين من مكة في بيوتهم وأشركوهم في أموالهم. ولهذا السبب، أُطلق عليهم اسم "الأنصار". ولكي يعزز النبي (صلى الله عليه وسلم) الأخوة الدينية، آخى بين "المهاجرين" و"الأنصار". هذا العقد الأخوي، الذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً، والمعروف بـ"المؤاخاة"، دفعهم إلى تضامن وصل إلى حد التوارث فيما بينهم. وكان هذا الوضع (توارث الإخوة في الدين) مقصورًا على بيئة انعدمت فيها حرية ممارسة الدين، ولم تكن تعترف بحق المسلمين في الوجود.
في حالة عدم تحقيق هذا التعاون المذكور، تصف الآية القرآنية السابقة الوضع الذي سينشأ بأنه "فتنة وفساد كبير". والفتنة في الدين هي تلوث الحياة الدينية، وفساد العقائد، وزوال الفضائل الأخلاقية. وهذه النتيجة تمثل مسؤولية جسيمة.
إن وحدة المسلمين أمر من الله تعالى، أما التفرقة والتشرذم والتشتت فهي مما نهى الله تعالى عنه. وها هي الآية الكريمة:
"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا!". هذه الآية الكريمة هي من أوضح الآيات التي تأمر بالاتحاد الإسلامي. يجب على المسلمين أن يتحدوا، ولكن بماذا وكيف تتحقق هذه الوحدة؟ لقد تم تناول هذه المسألة في العديد من آيات القرآن الكريم. وقد تم السعي لشرح غايات وأهداف هذه الوحدة، وأسسها الرئيسية، وعناصرها، والأمراض والعوامل الخارجية التي تعيق الوحدة بكل تفاصيلها في الفصول التالية.
في القرآن الكريم وسنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، هناك العديد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تتناول أصل الإنسان، وحكمة خلق جماعات بشرية بألوان وألسنة مختلفة، والعلاقة الاجتماعية بين المسلمين (الأخوة) وما تقتضيه هذه العلاقة من تعاون وتضامن. وعند النظر في هذه النصوص، يتضح جليًا أن النموذج المجتمعي الذي يصممه الإسلام هو "نموذج الأمة". الأمة هي الجماعة البشرية الكبيرة القائمة على وحدة العقيدة، والتي لا تكون فيها عناصر مثل العرق أو اللغة أو اللون أو النسب أو الحدود الجغرافية عوامل تفريق. ومن بين الخصائص المهمة التي تميز الأمة عن غيرها من التجمعات البشرية: الإيمان، والقدوة، ومهمة إقامة العدل والحرية والأمن على وجه الأرض. أي أن المسلمين، بينما يهدفون إلى تحقيق التفوق العالمي في العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والعسكرية، فإنهم لا يسعون إلى ذلك لاستغلال المجتمعات الضعيفة واستخدامها في خدمتهم، بل لتحقيق الأهداف الإسلامية والإنسانية السامية.
في عصرنا، كانت القوة المهيمنة ذات قطبين قبل فترة، ثم أصبحت في العقد الأخير أحادية القطب. وفي كلتا الحالتين، تبين أن من يمتلكون القوة قد استخدموها لتحقيق التوازن والردع فيما بينهم من جهة، ولحكم المجتمعات الأضعف واستغلالها وتوجيهها واستخدامها وفقًا لمصالحهم الخاصة من جهة أخرى. ويكفي أن نتذكر كمثال الدور الذي لعبته أمريكا في الشرق الأوسط، والسيطرة التي فرضتها، والمصالح التي أنقذت اقتصادها، متذرعة بالصراع العراقي الكويتي.
أمام تمركزات القوة التي تتحرك ظاهريًا وشعاراتيًا باسم حقوق الإنسان والديمقراطية والعدل، بينما تستهدف في حقيقتها الظلم والاستغلال والمصلحة الوطنية -أو مصلحة تحالف معين من الأمم-، فإن الملجأ الوحيد للمسلمين هو وحدة القوة الخاصة بهم (وحدة تجمعات المسلمين). إن عشرات التجارب في البوسنة والشيشان وكشمير وقبرص قد أكدت مقولة: "فاقطع رجاءك من نصرة غير الله إن كنت ترجو النصر!". إذا كان المخرج الوحيد وأمل الخلاص للمسلمين هو الوحدة في الداخل والخارج، فلماذا لم يتم تحقيق هذا الهدف منذ سنوات، بل وقرون؟ لا شك أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى مقالات طويلة أو كتب.
سورة الأنفال، 8/73.
سورة آل عمران، 3/103.
ح. كرمان.